فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (26):

{فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)}
{فَلَمَّا رَأَوْهَا} أول ما وقع نظرهم عليها {قَالُواْ إِنَّا لَضَالُّونَ} طريق جنتنا وما هي بها قاله قتادة وقيل لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين وليس بذاك.

.تفسير الآية رقم (27):

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)}
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} قالوه بعدما تأملوا ووقفوا على حقيقة الأمر مضربين عن قولهم الأول أي لسنا ضالين بل نحن محرمون حرمنا خيرها بجنايتنا على أنفسنا.

.تفسير الآية رقم (28):

{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)}
{قَالَ أُوْحِى} أي أحسنهم وأرجحهم عقلًا ورأيًا أو أوسطهم سنا {أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ} أي لو لا تذكرون الله تعالى وتتوبون إليه من خبث نيتكم وقد كان قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله تعالى وتوبوا إليه عن هذه النية الخبيثة من فوركم وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة فعصوه فعيرهم ويدل على هذا المعنى قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (29):

{قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)}
{قَالُواْ سبحان رَبّنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين} لأن التسبيح ذكر لله تعالى وانا كنا إلخ ندامة واعتراف بالذنب فهو توبة والظاهر أنهم إنما تكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة ولكن بعد خراب البصرة وقيل المراد بالتسبيح الاستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم لله عز وجل لأن الاستثناء تفويض إليه سبحانه والتسبيح تنزيه له تعالى وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم فكأنه قيل ألم أقل لكم لولا تستثنون أي تقولون إن شاء الله تعالى وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى وابن المنذر عن ابن جريج وحكاه في البحر عن مجاهد وأبي صالح انهما قالا كان استثناؤهم في ذلك الزمان التسبيح كما نقول نحن إن شاء الله تعالى وجعله بعض الحنفية استثناء اليوم فعنده لو قال لزوجته أنت طالق سبحان الله لا تطلق ونسب إلى الإمام ابن الهمام وادعى أنه قاله في فتاويه ووجه بأن المراد بسبحان الله فيما ذكر أنزه الله عز وجل من أن يخلق البغيض إليه وهو الطلاق فإنه قد ورد أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق وأنكر بعض المتأخرين نسبته إلى ذلك الإمام المتقدم ونفى أن يكون له فتاوي واعترض التوجيه المذكور بما اعترض وهو لعمري أدنى من أن يعترض عليه وأنا أقول أولى منه قول النحاس في توجيه جعل التسبيح موضع الاستثناء ان المعنى تنزيه الله تعالى أن يكون شيء إلا شيئته وقد يقال لعل من قال ذلك بنى الأمر على صحة ما روي وان شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم علينا من غير نكير وهذا على علاته أحسن مما قيل في توجيهه كما لا يخفى وقيل المعنى لولا تستغفرون ووجه التجوز يعلم مما تقدم.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)}
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يتلاومون} يلوم بعضهم بعضًا فإن منهم على ما قيل من أشار بذلك ومنهم من استصوبه ومنهم من سكت راضيًا به ومنهم من أنكره ولا يأبى ذلك إسناد الأفعال فيما سبق إلى جميعهم لما علم في غير موضع.

.تفسير الآية رقم (31):

{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)}
{قَالُواْ يأَبَانَا ياويلنا إِنَّا كُنَّا طاغين} متجاوزين حدود الله تعالى.

.تفسير الآيات (32- 33):

{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)}
{عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا} أي يعطينا بدلًا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة {خَيْرًا مّنْهَا} أي من تلك الجنة {إِنَّا إلى رَبّنَا} لا إلى غيره سبحانه: {راغبون} راجون العفو طالبون الخير وإلى لانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع وعن مجاهد انهم تابوا فابدلوا خيرًا منها وروي أنهم تعاقدوا وقالوا إن أبدلنا الله تعالى خير منها لنصنعن كما صنع أبونا فدعوا الله عز وجل وتضرعوا إليه سبحانه فابدلهم الله تعالى من ليلتهم ما هو خير منها وقال ابن مسعود بلغني أن القوم دعوا الله تعالى وأخلصوا وعلم الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل على البغل منها عنقود وقال أبو خالد اليماني ورأيت تلك الجنة وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم واستظهر أبو حيان أنهم كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا وحكى عن بعض أنهم كانوا من أهل الكتاب وعن التستري أن المعظم يقولون انهم تابوا وأخلصوا وتوقف الحسن في إيمانهم فقال لادري أكان قولهم إنا إلى ربنا راغبون إيمانًا أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة وسئل قتادة عنهم أهم من أهل الجنة أم من أهل النار فقال للسائل لقد كلفتني تعتا وقرأ نافع وأبو عمرو يبد لنا مشددًا {كَذَلِكَ العذاب} جملة من مبتدأ وخبر مقدم لإفادة القصر وال للعهد أي مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة من الجدب الشديد وأصحاب الجنة مما قص عذاب الدنيا والكلام قيل وارد تحذيرًا لهم كأنه لما نهاه سبحانه عن طاعة الكفار وخاصة رؤسائهم ذكر عز وجل أن تمردهم لما أتوه من المال والبنين وعقب جل وعلا بأنهما إذا لم يشكرا المنعم عليهما يؤل حال صاحبهما إلى حال أصحاب الجنة مدمجًا فيه أن خبث النية والزوى عن المساكين إذا أفضى بهم إلى ما ذكر فمعاندة الحق تعالى بعناد من هو على خلقه وأشرف الموجودات وقطع رحمه أولى بأن يفضي بأهل مكة إلى البوار وقوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الاخرة أَكْبَرُ} أي أعظم وأشد تحذير عن العناد بوجه أبلغ وقوله سبحانه: {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} نعى عليهم بالغفلة أي لو كانوا من أهل العلم لعلموا أنه أكبر ولأخذوا منه حذرهم.

.تفسير الآية رقم (34):

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)}
{إِنَّ لّلْمُتَّقِينَ} أي من الكفر كما في البحر أو منه ومن المعاصي كما في «الإرشاد» {عِندَ رَبّهِمْ} أي في الآخرة فإنها مختصة به عز وجل إذ لا يتصرف فيها غيره جل جلاله أو في جوار قدسه {جنات النعيم} جنات ليس فيها إلا النعيم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال وأخذ الحصر من الإضافة إلى النعيم لإفادتها التميز من جنات الدنيا والتعريض بأن جنات الدنيا لغالب عليها النغص.
طبعت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الأقذار والأكدار

وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (35):

{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)}
{أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين} تقرير لما قبله من فوز المتقين ورد لما يقوله الكفرة عند سماعهم بحديث الآخرة وما وعد الله تعالى إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا والألم يزيدوا علينا ولم يفضلونا وأقصى أمرهم أن يساوونا والهمزة للإنكار والفاء للعطف والعطف على مقدر يقتضيه المقال أي فيحيف في الحكم فيجعل المسلمين كالكافرين ثم قيل لهم بطريق الالتفات لتأكيد الرد وتشديده.

.تفسير الآية رقم (36):

{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)}
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} تعجبًا من حكمهم واستبعادًا له وإيذانًا بأنه لا يصدر من عاقل إذ معنى مالكم أي شيء حصل لكم من خلل الفكر وفساد الرأي.

.تفسير الآية رقم (37):

{أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)}
{أَمْ لَكُمْ كتاب} نازل من السماء {فِيهِ} أي في الكتاب والجار متعلق بقوله تعالى: {تَدْرُسُونَ} أي تقرؤن فيه والجملة صفة كتاب وجوز أن يكون فيه متعلقًا تعلق الخبر أو هو الصفة والضمير للحكم أو الأمر وتدرسون مستأنف أو حال من ضمير الخطاب وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (38):

{إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)}
{إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} أي للذي تختارونه وتشتهونه يقال تخير الشيء واختاره أخذ خيره وشاع في أخذ ما يريده مطلقًا مفعول {تدرسون} [القلم: 37] إذ هو المدروس فهو واقع موقع المفرد وأصله أن لكم فيه ما تخيرون بفتح همزة أن وترك اللام في خبرها فلما جيء باللام كسرت الهمزة وعلق الفعل عن العمل ومن هنا قيل أنه لابد من تضمين {تدرسون} [القلم: 37] معنى العلم ليجري فيه العمل في الجمل والتعليق وجوز أن يكون هذا حكاية للمدروس كما هو عليه فيكون بعينه لفظ الكتاب من غير تحويل من الفتح للكسر وضمير فيه على الأول للكتاب وأعيد للتأكيد وعلى هذا يعود لأمرهم أو للحكم فيكون محصل ما خط في الكتاب أن الحكم أو الأمر مفوض لهم فسقط قول صاحب التقريب أن لفظ فيه لا يساعده للاستغناء بفيه أولًا من غير حاجة إلى جعل ضمير فيه ليوم القيامة بقرينة المقام أو للمكان المدلول عليه بقوله تعالى: {عند ربهم} [القلم: 37] وعلى الاستئناف هو للحكم أيضًا وجوز الوقف على تدرسون على أن قوله تعالى: {إِنَّ لَكُمْ} إلخ استئناف على معنى إن كان لكم كتاب فلكم فيه ما تتخيرون وهو كما ترى والظاهر إن {أَمْ لَكُمْ} إلخ مقابل لما قبله نظرًا لحاصل المعنى إذ محصله أفسد عقلكم حتى حكمتكم بهذا أم جاءكم كتاب فيه تخييركم وتفويض الأمر إليكم وقرأ طلحة والضحاك آن لكم بفتح الهمزة واللام في لما زائدة كقراءة من قرأ {إلا أنهم ليأكلون الطعام} [الفرقان: 20] بفتح همزة أنهم وقرأ الأعرج أن لكم بالاستفهام على الاستئناف.

.تفسير الآية رقم (39):

{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)}
{أَمْ لَكُمْ أيمان عَلَيْنَا} أي أقسام وفسرت بالعهود وإطلاق الإيمان عليها من إطلاق الجزء على الكل أو اللازم على الملزوم {بالغة} أي أقصى ما يمكن والمراد متناهية في التوكيد وقرأ الحسن وزيد بن علي بالغة بالنصب على الحال من الضمير المستتر في علينا أو لكم وقال ابن عطية من أيمان لتخصيصها بالوصف وفيه بعد {إلى يَوْمِ القيامة} متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها إلا يومئذٍ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون أو متعلق ببالغة أي أيمان تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم يبطل منها يمين فإلى على الأول: لغاية الثبوت المقدر في الظرف فهو كأجل الدين وعلى الثاني: لغاية البلوغ فهي قيد اليمين أي يمينًا مؤكدًا لا ينحل إلى ذلك اليوم وليس من تأجيل المقسم عليه في شيء إذ لا مدخل لبالغة في المقسم عليه فتأمل وقوله تعالى: {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} جواب القسم لأن معنى أم لكم أيمان علينا أم أقسمنا لكم وهو جار على تفسير الأيمان عنى العهود لأن العهد كاليمين من غير فرق فيجاب بما يجاب به القسم وقرأ الأعرج آن لكم بالاستفهام أيضًا.

.تفسير الآية رقم (40):

{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)}
{سَلْهُمْ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاطهم عن رتبة الخطاب أي سلهم مبكتًا لهم {أَيُّهُم بذلك} الحكم الخارجي عن دائرة العقول: {زَعِيمٌ} قائم يتصدى لتصحيحه والجملة الاستفهامية في موضع المعمول الثاني لسل والفعل عند أبي حيان وجماعة معلق عنها لمكان الاستفهام وكون السؤال منزلًا منزلة العلم لكونه سببًا لحصوله.